الثلاثاء، أكتوبر 13، 2009

تقديم النص:
طوم ريغان Tom Regan فيلسوف أمريكي معاصر ولد في 28 نونبر 1938 بمدينة بيطسبورغ بولاية بنسيلفانيا. عمل أستاذا جامعيا إلى حين تقاعده مؤخرا، مهتم بفلسفة "حقوق الحيوان" "وهو موضوع كتابه الشهير: "قضية حقوق الحيوان"تنتمي فلسفة طوم ريغان إلى التقليد الكانطي لكنه عمل على تعميق الطرح الأخلاقي الكانطي وتوسيع مجال تطبيقه.





من السهل تقديم نظرية أخلاقية جديدة، ولكن من الصعب تبرير أسسها وتقديم مسوغات كافية لإقناعنا بوجوب تبنيها (...) ينطبق ذلك على التصور الكانطي، فرغم ما يتمتع به هذا التصور من عمق وحصافة، وبالرغم من استلهامي إياه، فإنه لايخلو من تناقضات ومفارقات بعضها في اعتقادي عويص يصعب حله؛ سأكتفي هنا بإثارة أهم هذه المفارقات من خلال السؤالين التالين: "ماهي الكائنات البشرية التي تستحق صفة "الشخص"؟ وماذا يترتب أخلاقيا إذا ما أجبنا على مثل هذا السؤال من منظور كانطي؟
نبدأ بالجلي الواضح: ليس كل إنسان شخصا بالمعنى الكانطي. فالبويضة المخصبة حديثا، والمرضى الذين دخلوا حالة الغيبوبة (الكوما) الدائمة يظلون بشرا، لكنهم ليسوا أشخاصا وفق التعريف الكانطي؛ ونفس الحكم ينسحب أيضا على حديثي الولادة وعلى الأطفال حتى سن معينة، تضاف إليهم كل الكائنات البشرية التي تفتقد لهذا السبب أو ذاك القدرات الفكرية التي بموجبها يعرف كانط الشخص البشري. إن هؤلاء جميعا تعوزهم الخاصية الأخلاقية المميزة للشخص، فيفقدون بالتالي الحق في الاحترام. فكيف تستطيع النظرية الكانطية إثبات خطئنا لو أننا عاملنا أحد هذه الكائنات البشرية - الذي ليس "شخصا" - كمجرد وسيلة! يتضمن الجواب الذي أقدمه هنا تخليا عن التصور الكانطي للشخص كمعيار للقيمة الأصلية للكائن البشري وتعويضه بفكرة(...) "الذوات التي تستشعر حياتها (sujet-de-vie)".Subject-of-life دعوني أشرح لكم المقصود بذلك:
إننا شيء مختلف عن النبات الذي يحيا ثم يموت أيضا مثلنا. إننا ذوات حية تستشعر حياتها، كائنات لها سيرة وتاريخ biography لا مجرد جسم تدرسه البيولوجيا biology ، وما يزيد اللغز غموضا هو أن هذه الحياة التي نعيشها ونختبرها هي وحدة ونظام وليست مجرد ركام وفوضى: فوراء مشاعرنا ومعتقداتنا ورغباتنا توجد وحدة سيكلوجية، بعبارة أخرى فالمشاعر لا تنتمي إلى الشخص "أ" بينما تنتمي المعتقدات إلى الشخص "ب" فيما تعود الرغبات إلى الشخص "ج"..وعلى ضوء انتماء هذا الكل إلى نفس الفرد المتمايز عن الآخرين نستطيع أن نفهم كيف تشكلت سيرتي وقصة حياتي الفريدة عبر الزمن، وكيف أن قصة حياة كل واحد منا مختلفة عن الآخر.
أخلص إلى القول أن قيمتنا وحقوققنا نابعة من كوننا ذواتا نحيا حياة يمكن أن تتحول للأفضل أو للأسوأ بالنسبة إلينا بشكل مستقل منطقيا عن أي تقييم لنا من قبل أي أحد آخر او اعتباره إيانا نافعين، ولا أقصد مما سبق أن الآخرين لا يستطيعون الإسهام فيء أوالانتقاص من، قيمة حياتنا . بل على العكس، إن الخيرات الكبرى للحياة (الحب، والصداقة، وعموما ، الشعور بالرفقة) وشرورها الكبرى (الكراهية والعداوة والعزلة والاغتراب) كلها تشتمل على علاقاتنا بالأشخاص الآخرين؛ فما أقصده، بدلا من ذلك، أن كوننا ذواتا نحيا حياة هي في مختلف الظروف لأجلنا لا يعتمد منطقيا على ما يفعله الآخرون أو لا ‏يفعلونه لنا . (...)كلنا إذن متساوون من حيث قدرتنا على استشعار النعيم، وهذا ما يجعل كل واحد منا مكافئا للآخر بغض النظر عن الجنس، الذكاء، الطبقة، السن، الديانة، مسقط الرأس، الموهبة أو المساهمة الاجتماعية.
ومن منظور الحقوق الذي أتبناه، فإن كون الفرد "ذاتا تستشعر حياتها" هي القاعدة التي بموجبها يمتلك القيمة الأصيلة، وكل من يحقق هذا الشرط يلزمنا بواجب مباشر في معاملته باحترام، وبعبارة أخرى فنظرية الحقوق هذه تعترف للكائنات البشرية المقصاة بموجب المعيار الكانطي - تعترف لها بحقوق أخلاقية: كالأطفال أو بصفة عامة كل كائن بشري مهما كان سنه ممن يعانون عاهات تمنعهم من أن يكونوا أشخاصا، لكنهم يحققون بامتياز شرط " الذات التي تستشعر حياتها" لأن كل واحد منهم يحيى حياة يمكن أن تتحول للأفضل أو للأسوأ بالنسبة إليه.
بيد اني مضطر للإعتراف بأن نظرية الحقوق التي أتيت على ذكرها لا تبدد كل الغموض. وككل نظرية تتناول المعايير الأخلاقية، فإن نظريتي تواجه تحديات جدية، بعضها مماثل للتحديات التي طرحتها على التصور الكانطي آنفا! فبعض البشر ليسوا أشخاصا حسب كانط،، ولكن بعضهم أيضا ليس " ذاتا تستشعر حياتها" وفق نظريتي مثل البويضة المخصبة حديثا والمواليد بدون دماغ أوبوظائف دماغية تتجاوز بالكاد وظائف النخاع الشوكي.هل يعني ذلك أن هذه الكائنات البشرية لا تمتلك أي قيمة أو حق في أن تعامل باحترام؟ إن نظرية الحقوق تترك السؤال مفتوح، ذلك أني اقترحت معيار " الذات التي تستشعر حياتها" كمعيار لازم وليس كمعيار كاف. بمعنى أن الذين يتحقق فيهم هذا الشرط يحوزون قيمة أصيلة، ولكن هل هم الفئة الوحيدة التي تحظى بهذه القيمة؟ هذا سؤال تتركه نظريتي مفتوحا
المصدر:Tom Regan & Cal Cohen, The animal right debate. Rowman & Littlefield, 2001 pp:191-203

ليست هناك تعليقات: