يشكل التفكير في المعرفة مبحثا أساسيا من مباحث التأمل الفلسفي، مبحث يعنى بالتساؤل عن شروط إمكان المعرفة، وحدود ملكات العقل البشري، بل لقد غدا هذا المبحث حقلا معرفيا مستقلا ومتخصصا أكثر فأكثر في التأمل النقدي في المعرفة العلمية بشكل عام(الإبستيمولوجيا)، وأحيانا في كل فرع من فروعها على حدة(الإبستيمولوجيا الجهوية). فإذا كانت المعرفة فعالية تمثلية تتجه من ذات عارفة صوب موضوع للمعرفة، الذي هو العالم الخارجي، أو الذات نفسها، فإن الوصول إلى حقيقة هذا الموضوع يمثل غاية فعل المعرفة، إذ كلما تطابقت تمثلات الذات مع معطيات الموضوع، كلما كانت المعرفة صادقة. غير أن الذات العارفة تكون دائما وبشكل أولي حاملة لرصيد من الآراء، أي من الأحكام المسبقة العفوية.
فما هي العلاقة بين بادئ الرأي والحقيقة؟ هل يشكل الرأي عائقا يحول دون الوصول إلى معرفة موضوعية، أم أنه درجة من درجات الحقيقة وخطوة أولية في سبيل بلوغها؟ وهل الفارق بين الحقيقة والرأي فارق في الدرجة أم في النوع؟
وما هي قيمة وحدود أطروحة النص الذي نحن بصدد دراسته؟
حدد صاحب النص الرأي، باعتباره اعتقاد معطى، صادر عن تفكير نفعي، يخلط بشكل عفوي بين الحاجات العملية المباشرة للناس(المادية والروحية) ومعرفتهم بحقيقة الموضوعات التي هم في حاجة إليها، مما يجعله يشكل عائقا إبستيمولوجيا، يحول دون بلوغ معرفة مطابقة لحقيقة تلك الموضوعات. ومن ثم ينبغي إحداث قطيعة مطلقة مع الرأي، من أجل تأسيس المعرفة العلمية، من حيث هي معرفة مبنية، تتجرد فيها الذات العارفة من كل النزوعات النفعية اللاواعية، إذ تنطلق في ذلك من طرح المسائل التي هي بصدد دراستها بشكل واع وبكيفية منهجية، وعبر صياغة دقيقة وواضحة. ولدعم هذه الأطروحة اعتمد صاحب النص على استراتيجية حجاجية قوامها اعتماد اسلوب المقارنة على امتداد فقرات النص من اجل تبيان السمات المتناقضة لكل من الرأي والعلم (الرأي مصاغ صياغة ناقصة/المعرفة مصاغة صياغة دقيقة...). كما انتهج أسلوب التعليل من اجل تفسير أسباب حكمه السلبي على الرأي، من حيث هو "تفكير ناقص"، وذلك برد هذا الحكم إلى كون الرأي ينقل الحاجة العملية إلى مستوى المعرفة اليقينية. و
من أجل إبطال المشروعية المعرفية للرأي وإثباتها للمعرفة العلمية وظف صاحب النص أسلوبي النفي والتوكيد بشكل مكثف.
ومن كل هذا يكون العلم هو نموذج المعرفة الموضوعية الأكثر مطابقة مع حقيقة الواقع.
ومن خلال هذا التفكيك لأطروحة النص وبنيته المفاهيمية والحجاجية، يمكننا استشفاف انه على الرغم من أن مناصرة صاحب النص للتفكير العلمي وحدها تعطي لأطروحة النص مشروعيتها، طالما أن العلم هو نمط المعرفة الأكثر مصداقية في السياق الثقافي المعاصر، إلا أن النص يخلو من الاستدلالات المنطقية ومن القرائن الواقعية، إذ يكتفي بالوسائل الأسلوبية التأثيرية، وهو ما يشكل موطن الضعف في بنية النص.
أما إذا وضعنا النص في سياق تاريخ الأفكار، فإن أطروحته تشكل استمرارية للخط النقدي الذي أسسه ديكارت، في القرن السابع عشر، من خلال صياغته لمنهج معرفي يقود العقل إلى المراجعة الشكية الشاملة لحمولته من الأحكام المسبقة والجاهزة، التي تلقاها بشكل سلبي من الحس، أو الأهواء، أو المجتمع، لكي يقيم المعرفة على أساس يقيني متين، يتمثل في بداهة الأفكار، أي وضوحها الذاتي وتميزها. مع أن تلميذه الفيلسوف الألماني غوتفريد ويليم لايبنتز كان اكثر اعتدالا في موقفه من الرأي، إذ اعتبره درجة من درجات المعرفة تتسم بقيمة الاحتمال وتلعب دور الفرضية المؤقتة، في أفق البرهنة على صحتهن ليرقى إلى درجة المعرفة اليقينية، شأن نظرية كوبيرنيك الفلكية التي كانت مجرد رأي احتمالي قبل أن يقيم عليها جاليليو البرهان بعد حوالي قرن من ذلك. أما في الفكر المعاصر فإن أطروحة صاحب النص تتطابق مع التصور الإبيستيمولوجي لغاستون باشلار الذي بلور مفهوم القطيعة الإبيستيمولوجية كضمانة لتجريد العقل العلمي من فلسفة العلماء العفوية، التي من شانها أن تسقط البحث العلمي في مطبات الاعتبارات الذاتية أو المذهبية، حتى أنه دعا إلى ما أسماه ب"تحليل نفسي" للعلماء حتى يكون بمقدورهم وضع مسافة نقدية بين الذات العارفة واعتقاداتها المسبقة.
نخلص في الأخير إلى أن الأجوبة على مشكلة العلاقة بين الرأي والحقيقة، تراوحت بين مقاربة تعتبرها علاقة استمرارية، شأن لايبنتز، وأخرى تعتبرها علاقة قطيعة، شأن باشلار. إلا أن السياق الفكري المعاصر، المتمحور حول العلم، يذهب إلى ترجيح أطروحة القطيعة، مادام المعيار الأول للمعرفة العلمية هو موضوعيتها، أي تجردها من الميولات الذاتية والنفعية التي هي أساس الرأي.
===========================================================
تحليل ومناقشة نص "سيغموند فرويد" (مباهج الفلسفة ص 15)
مجزوءة الوضع البشري: إشكال الشخص بين الضرورة والحرية
I. المقدمة:
يتأطر النص الذي نحن بصدد دراسته ضمن مجال التأمل الفلسفي في الوضع البشري في بعده الذاتي، هذا التأمل الذي ينطلق من السؤال عن علاقة الإنسان بذاته من خلال مفهوم الشخص. فإذا كان مفهوم الشخص يتحدد فلسفيا، "ككيان عقلي- نفسي، يحمل مجموعة من الصفات الثابتة والقبلية مثل الوعي والكرامة، والحرية والمسؤولية الأخلاقية"، وبما أن صفة الحرية الواردة في هذا التعريف، تحيل على "لاحتمية الإرادة البشرية التي تتجلى في الفعل الخلاق بدون دافع ضروري "، فإننا نقف أمام مفارقة مفاهيمية يطرحها تقابل مفاهيم الحرية و الإرادة والفعل الخلاق من جهة، ومفاهيم الحتمية والدوافع و الضرورة من جهة ثانية.
فإلى أي حد يمكن اعتبار الشخص متحررا من حتمية الضرورات البيولوجية والاجتماعية..؟ هل يتعلق الأمر بحرية مطلقة؟ أم بهامش محدود ومشروط من الحرية، أم بخضوع الشخص بشكل مطلق للضرورات الموضوعية الخارجة عن إرادته؟
وما هو جواب صاحب النص، قيد الدراسة، عن هذا الإشكال؟ وإلى أي حد استطاع أن يبلور هذا الجواب بشكل مقنع؟ وما هي قيمة هذا الجواب بالنسبة للتصورات الفلسفية التي اقتسمت معه الانشغال بهذا الإشكال؟
II. العرض:
1- التحليل:
يفترض صاحب النص أن البنية شخصية الفرد تتكون من قوى نفسية متفاعلة ديناميا، هي:
- الهو: والذي يعني مجموع الدوافع الحيوية التي يرثها الفرد عن النوع، تنضاف إليها الرغبات المكبوتة الكامنة في اللاشعور والتي لا يحكمها غير مبدأ اللذة. وتتجلى فاعليته في إصدار أوامر لاشعورية للأنا، أوامر تتسم بالجموح لأنها تتطلب الإشباع الفوري والكلي.
- الأنا الأعلى: ويعني مجموع القيم والمثل الأخلاقية التي يستدمجها الفرد عبر عملية التربية. وتتمثل وظيفته في المراقبة والرصد للحياة النفسية والسلوكية، وفرض قواعده على الأنا وعقابه في حالة عدم الانصياع عبر فرض مشاعر الدونية والذنب الأليمة.
- الأنا: ويعني المكون الذاتي في الحياة النفسي والمتحلي بقدر من الوعي والإرادة. وتتمثل وظيفته في حفظ توازن وسلامة الحياة النفسية للفرد من خلال محاولة التوفيق بين متطلبات هؤلاء "السادة الثلاثة".
- الليبيدو: الطاقة النفسية الحيوية المحركة للحياة النفسية والتي تكون في البداية متمركزة في الهو قبل أن تتوزع على مكونات الحياة النفسية.
ويشكل "العالم الخارجي" السياق الذي تتفاعل فيه ومعه هذه البنية النفسية، ويعني مجموع معطيات ومؤسسات الواقع الموضوعي القائم خارج ذات الفرد وفي مواجهتها. بحيث تشكل حائلا يصد رغبات وإرادة الفرد.
انطلاقا من هذه البنية المفاهيمية، وإذا ما تأملنا في الأنا، الذي يمثل مقومات مفهوم "الشخص"، بما أنه المكون الواعي والإرادي في الحياة النفسية، وإذا ما تأملنا وظيفته داخل الحياة النفسية، بما هو عرضة لحتميات لاشعورية، متمثلة من جهة في ضغط الرغبات التي يحركها مبدأ اللذة(الهو)، ومتمثلة من جهة أخرى في ضغط الرقابة الأخلاقية المؤنبة(الأنا الأعلى)، بالإضافة إلى عوائق الواقع الموضوعية(العالم الخارجي)، فإن ما نستنتجه هو أن حرية الشخص تتخذ معنى ضيقا جدا، حيث إن أفعال الأنا وأفكاره، ما هي إلا مظهر واع لمحاولة إحلال التوازن في الحياة النفسية عبر التوفيق بين تلك الضغوطات المتصارعة. ومن ثمة فبنية شخصية الشخص نتاج لحتميات بيولوجية واجتماعية.
وقد حاول صاحب النص أن يدعم تصوره من خلال أسلوب حجاجي يكاد ينحصر في الاستعمال المكثف للاستعارات، إذ أن الانطباع الذي يحدث لدينا ونحن نتتبع عرضه للعلاقة بين مكونات الحياة النفسية، هو أن الأمر يتعلق بشخصيات حية كل منها يتسم بمزاجه الخاص ( السادة الأشداء، المستبدون، يطيعهم، يشعر بضغط، خادما ، الدهاء الديبلوماسي...). فإلى أي حد استطاعت هذه البنية الاستعارية أن تبرر مشروعية تصور صاحب النص؟
2- المناقشة:
ما يظهر من خلال البنية الحجاجية- الاستعارية للنص أن أطروحته تفتقد إلى استدلالات وشواهد مقنعة يمكن أن تبرر مشروعيتها، لأن الاستعارة وإن كانت تلعب دورا توضيحيا لتصور صاحب النص، فإنها على المستوى الحجاجي لا تتعدى أن تكون أسلوبا تأثيريا يخاطب الذوق الجمالي والانفعال الوجداني، لا التفكير النقدي.
ويظهر بجلاء أن النص يمثل المقاربة السيكولوجية للشخص، بل - وكما يظهر من خلال جهازه المفاهيمي- فهو أقرب إلى نظرية التحليل النفسي. وهذه الأخيرة شأنها شأن جل العلوم الإنسانية تنظر إلى الشخص، من حيث إن بنية شخصيته نتاج حتمي، إلى هذا الحد أو ذاك، لشروط موضوعية خارجة عن إرادته.
في مقابل هذه المقاربة العلمية، فإن الفلسفة مازالت فكرا يدافع عن فاعلية الإنسان وحريته، ضد التصورات الميكانيكية، التي قد تشكل مبررا لارتكان الشخص إلى السلبية، وتنصله من مسؤوليته تجاه وجوده ومصيره. روح الحرية هذه هي السائدة في فلسفة سارتر الوجودية، التي تنطلق من مقولة أن "وجود الإنسان يسبق ماهيته"، أي أن "الإنسان يصنع من نفسه ما يشاء"، فالشخص حر حرية مطلقة حيال اختياراته الذاتية، ضدا على أية حتمية خارجية، ومن ثمة فمفهوم الحرية عند سارتر يستدعي في نفس الوقت مفهومي الالتزام بالاختيار الذاتي والمسؤولية تجاه هذا الاختيار.
III. الخاتمة:
نخلص في الأخير إلى إن مشكلة حرية الشخص، أدت إلى تبلور تصورين أحدهما سائد في حقل العلوم الإنسانية التي تنشغل، شأنها شأن أي علم بالبعد السببي للظواهر المدروسة، والتصور الثاني سائد في الخطاب الفلسفي. إلا أنه إذا كان من اللازم التحفظ على ميكانيكية المقاربة العلمية، فمن اللازم أيضا الحذر من الذهاب مع سارتر في إطلاقية الحرية، هذا التحفظ يمكن أن نجده بشكل مسبق عند سبينوزا في القرن 17، عندما نبه إلى أن الحرية المطلقة للأفعال البشرية وهم ناتج عن الجهل بأسباب هذه الأفعال، وأن الحرية الحقيقية هي "وعي الضرورة" أي العلم بالأسباب المحددة للفعل البشري، ومن ثم إمكانية تدخل الإرادة. وهذا التصور، في نظرنا، عبارة عن تركيب ناضج سابق لعصره بين حدي الحتمية والحرية. لكن هل يمكن أن يكون لهذين الحدين من معنى في غياب الحديث عن الغير ككيان ملازم للشخص؟
ينتمي النص الذي نحن بصدد دراسته إلى مجال التأمل الفلسفي في الشروط الأنطولوجية لوجود الإنسان، وعلى الخصوص الشرط الذاتي لهذا الوجود. تأمل ينطلق من السؤال عن علاقة الإنسان بذاته، ويشكل مفهوم الشخص أرضية هذا التساؤل. فإذا كان مفهوم الشخص يتحدد فلسفيا، "ككيان عقلي- نفسي، يحمل مجموعة من الصفات الثابتة والقبلية مثل الوعي والكرامة، والحرية والمسؤولية الأخلاقية"، وبما أن صفة الحرية الواردة في هذا التعريف، تحيل على "لاحتمية الإرادة البشرية التي تتجلى في الفعل الخلاق بدون دافع ضروري "، فإننا نقف أمام مفارقة مفاهيمية يطرحها تقابل مفاهيم الحرية و الإرادة والفعل الخلاق من جهة، ومفاهيم الحتمية والدوافع و الضرورة من جهة ثانية.
فإلى أي حد يمكن اعتبار الشخص متحررا من حتمية الضرورات البيولوجية والاجتماعية..؟ هل يتعلق الأمر بحرية مطلقة؟ أم بهامش محدود ومشروط من الحرية، أم بخضوع الشخص بشكل مطلق للضرورات الموضوعية الخارجة عن إرادته؟
وما هو جواب صاحب النص، قيد الدراسة، عن هذا الإشكال؟ وإلى أي حد استطاع أن يبلور هذا الجواب بشكل مقنع؟ وما هي قيمة هذا الجواب بالنسبة للتصورات الفلسفية التي اقتسمت معه الانشغال بهذا الإشكال؟
اعتمد الفيلسوف صاحب النص على ثلاثة مفاهيم أساسية كنواة لبناء أطروحته الفلسفية حول الوضع الوجودي للكائن البشري، وهي مفاهيم : الكائن، والإنسان، والشخص، إذ من خلال تتبع الدلالات الخاصة التي يعطيها إياها، ومن خلال استشفاف العلاقة التي يقيمها بينها داخل متن النص يمكننا أن نفهم أن الفيلسوف قد بلور تصورا للإنسان، ليس باعتباره معطى قبلي ناجز، وإنما باعتباره مشروع إيجابي متعال أفقيا، أي صيرورة تحقق منفتحة على المستقبل. بحيث تنطلق هذه الصيرورة من وضعية الكائن أي من الشرط البيولوجي الموضوعي الذي يحدد مسبقا كينونة البشر، لتتجه بشكل متنام صوب تحقق الوجود الإنساني النوعي عبر فعل "التشخصن"، الذي هو في حقيقة الأمر فعل تحرر من الشرط البيولوجي ومن الانفعال الآلي، ليغدو فعلا قصديا منطلقا من قدرة الوعي على استيعاب الشروط الموضوعية المحيطة بالذات ، بل قدرته على التوحيد بين الشروط الموضوعية (الدوافع البيولوجية، البيئة، الإكراهات الاجتماعية...) والشروط الذاتية للوجود الإنساني(الإرادة، الاختيار، الحرية، الإلتزام...)، حتى تتحقق كينونة الإنسان باعتبارها كينونة كلية (الأنا-الكل). ومن ثمة فالشخص ليس مجرد كائن تحكمه الإشراطات الموضوعية بشكل آلي، كما أنه ليس بؤرة حرية ميتافيزيقية مطلقة، وإنما هو مشروع تحرر يقوده الوعي القصدي المستوعب لحقيقة الوضعيات الواقعية التي يعتبر إدراكها وتجاوزها شرطا لازما لتحقق هذا المشروع. وقد ارتكز صاحب النص في بناءه لهذا التصور على استراتيجية حجاجية قوامها تدقيق المفاهيم وكثافتها الدلالية، مما جعل مساحة النص مشبعة بالمفاهيم الفرعية (الأفعال الحيوية والآلية، الأسباب والدوافع، الشروط البيولوجية، الأنا الكل، الأفعال القصدية، الإرادة، الاختيار، الالتزام...) التي تدور في فلك الثلاثية المفاهيمية (الكائن والشخص، والإنسان)، هذه الثلاثية التي شكلت الخيط الناظم لبنية النص من خلال مجموعة من العلاقات الاستنباطية. وقد تضافرت كل هذه العوامل المفاهيمية والحجاجية لتؤكد على أن ما يحدد الوجود الأصيل للإنسان هو قدرته على التحرر الواعي من الشروط الموضوعية التي تحيط به، بعد أن يكون قد استوعبها وفهم قوانينها المحركة.
وإذا ما تناولنا النص من وجهة نظر نقدية، فإننا سنستشف أنه بقدر افتقاده لعدة حجاجية إقناعية، فإنه يتسم بالصعوبة على مستوى لغته الفلسفية حتى نكاد نقول أن خطابه موجه إلى نخبة متخصصة تستطيع وحدها فك شيفرة دلالاته. أما إذا وضعناه في سياق النقاش الفلسفي الدائر على أرضية إشكال "الشخص بين الضرورة والحرية"، فإن التصور المتضمن فيه يلتزم بالخط الفكري السائد داخل الفكر الفلسفي بصفة عامة والفلسفة المعاصرة بشكل خاص، أي الخط الفكري المدافع عن حرية الإنسان والمناصر لقدرة هذا الأخير على صنع مصيره انطلاقا من وعيه وإرادته، شأن الاتجاه الشخصاني الذي يتقاطع معه صاحب النص، والذي يمثله محمد عزيز لحبابي في الفلسفة العربية وإمنويل مونيي في الفلسفة الغربية، هذا الاتجاه الذي يعتبر أن الشخص يبني شخصيته بشكل فاعل من خلال صيرورة إبداع مستمرة، انطلاقا من الوعي بالشروط المحيطة بعملية الإبداع هذه ومن خلال التعالي عليها وتجاوزها الدائم بالانفتاح الملتزم على المستقبل. وتتقاسم الفلسفة الوجودية هذا التصور مع الشخصانيين، رغم أنها أميل إلى تصور الشخص كبؤرة حرية مطلقة، لا تحدده غير اختياراته الاعتباطية والتزامه بهذه الاختيارات، فهو بالضبط ما شاء أن يصنع بنفسه خارج أية تحديدات مسبقة، لأن "وجوده يسبق ماهيته" كما يقول جان بول سارتر، أي أنه يوجد في البدء غير حامل لأية سمة قبلية فيصنع من نفسه ما شاء. وفي مقابل هذه المقاربة الفلسفية نجد العلوم الإنسانية، بمختلف تخصصاتها وحقولها المعرفية، تنظر إلى الشخص، من حيث هو نتاج حتمي، إلى هذا الحد أو ذاك، لشروط موضوعية خارجة عن إرادته. شأن علماء الاجتماع الذين يؤكدون على أن شخصية الفرد صنيعة للتنشئة الاجتماعية، التي تتكفل بها مختلف المؤسسات الاجتماعية (الأسرة، الشارع، المدرسة، الإعلام...) على امتداد حياة الأفراد من أجل تنميط شخصياتهم وبهدف ضمان استمرارية المجتمع وتماسكه وانسجامه.
نخلص في الأخير إلى إن مشكلة حرية الشخص، أدت إلى تبلور تصورين أحدهما سائد في حقل العلوم الإنسانية التي تنشغل، شأنها شأن أي علم بالبعد السببي للظواهر المدروسة، والتصور الثاني سائد في الخطاب الفلسفي الذي يلتزم بإبراز البعد المتعالي للوجود الإنساني. إلا أنه إذا كان من اللازم التحفظ على ميكانيكية المقاربة العلمية، فمن اللازم أيضا الحذر من الذهاب مع الطرح القائل بإطلاقية الحرية.
يتحدد الوضع البشري بمجموعة من الشروط اللازمة لوجود الإنسان، والتي تحدد سقف إمكانياته ضمن هذا الوجود. فكل شخص هو كيان ذاتي قائم بذاته، إلا أنه منفتح في نفس الآن على الأغيار في إطار نسيج معقد من العلاقات البين-ذاتية، قوامها التشابه والاختلاف، والقرابة والغرابة، والتفهم والتشييء... فإذا كان وعي الذات يشكل مقوما ماهويا من مقومات الشخص، وإذا كان الغير كيانا خارجيا مستقلا عن الذات وفي نفس الآن متواشج معها بالعديد من الوشائج، فهل تحقق الذات وعيها بحقيقة وجودها من خلال التأمل الداخلي الخالص، أم أن هذا الوعي متوقف على وساطة الغير؟ أو بعبارة أخرى، ما هي أهمية الغير الوجودية بالنسبة لوعي الشخص بذاته؟ هل وجوده ضروري أم انه ممكن وجائز فحسب؟
وما هي القيمة الحجاجية للنص؟ وما هي حدود أطروحته بالمقارنة مع المقاربات الأخرى التي انشغلت بنفس الاشكال؟
في سبيل الإجابة عن هذا الإشكال، بلور صاحب النص أطروحة فلسفية مضمونها أن الغير هو الوسيط الضروري بين الذات ووعيها، إذ بحضوره- المادي أو الرمزي- يصبح بمقدور الذات أن تصدر أحكاما على نفسها كما تصدرها على الموضوعات الخارجية, إذ أن أفعالها العفوية تبقى بدون دلالة، فلا يعطيها تحددها وتعينها إلا الاختيار الذاتي الاعتباطي، أو النظرة الخارجية التي يسلطها الغير عليها، مع أنها نظرة مشيئة تشل إمكانيات الذات وتحد من حريتها وتنزع منها سيطرتها على عالمها. ومن ثم فوعي الذات لا يتم بالتأمل الداخلي الخالص، إذ لا يمكن لهذا الأخير أن يحدس أية حقيقة. وقد اختار الفيلسوف تجربة الخجل، كنموذج لبناء أطروحته حول وعي الذات وأهمية حضور الغير في هذا الوعي، متوسلا في ذلك بقياس برهاني تتمثل مقدمته الأولى في أن الخجل شكل من أشكال الوعي بالذات، وتتمثل مقدمته الثانية في أن الخجل ليس تجربة تأملية خالصة، وإنما هو خجل أمام الغير، ليخلص إلى نتيجة مفادها أن الوعي الذاتي رهين بحضور الغير. كما انه قدم تجربة ذاتية واقعية وصفها كالتالي:" أقوم بحركة غير لائقة، فأحياها في البدء كمعيش ذاتي حميمي، ولا أحكم عليها بوصفها غير لائقة، لكن فجأة أرفع رأسي تحت تأثير نظرة الغير، فأدرك عدم لياقة حركتي، فأستشعر الخجل"، ليستشف من هذه التجربة نفس النتيجة التي استنبطها من الاستدلال الأول. وليوضح دور الغير في تشكل وعي الذات شبهه بالمرآة التي تنعكس عليها صورة هذه الأخيرة. ومن ثمة تصب جميع أقوال النص التقريرية والحجاجية في اتجاه واحد هو التأكيد على دور الوسيط الذي يلعبه الغير بين الذات ووعيها بدلالة وجودها.
وما يضفي على هذا النص قيمة فلسفية وحجاجية هو من جهة، قوته الإقناعية التي لامست التجربة الإنسانية في عمقها وواقعيتها على مستوى المضمون، واعتمدت أقيسة برهانية متماسكة على مستوى الشكل، ومن جهة ثانية، عمق أطروحته الفلسفية التي تجاوزت كل الطروحات التقليدية حول وعي الذات. فإذا كانت الفلسفة الحديثة، وعلى الخصوص في شقها العقلاني(مع ديكارت مثلا) قد سيجت الأنا بنزعة وحدانية لا تعير أية أهمية لدور الغير في وعي الذات بحقيقة وجودها، فإن الفلسفة المعاصرة، وخاصة الاتجاه الوجودي(مع سارتر مثلا) الذي يتقاطع معه صاحب النص، قد جعل من الغير وسيطا ضروريا بين الأنا وبين وعيها بذاتها، فهو المرآة التي تعكس حقيقتها وتمكنها من إصدار الأحكام على نفسها. بل إن الفلسفة المعاصرة قد تجاوزت ذلك الطابع الاحتمالي الذي كانت تضفيه النزعة الأنا-وحدية على وجود الغير، فأضفت عليه طابعا ضروريا، إذ لا توجد الذات إلا في-العالم و مع- الآخرين، على حد تعبير الفلاسفة الوجوديين والفينومينولوجيين، شأن هوسرل الذي يقول:"توجد بداخلي تجربة العالم والآخرين، ليس كما لو كان ذلك عملا للنشاط التركيبي للعقل، بل كعالم هو في نفس الآن غريب بالنسبة لي، وموجود بشكل أولي وحدسي في وعيي".
نخلص إلى أن تاريخ مشكلة الوعي الذاتي هو تاريخ الانتقال من الفلسفة الحديثة التي كانت تهيمن عليها النزعة الذاتية كرد فعل ضد كل أنواع الوصاية التي كانت تمارس على الأفراد في العصور الوسطى، إلى الفلسفة المعاصرة التي تجاوزت هذه النزعة لتسلط الضوء على الطابع البين-الذاتي للوجود البشري. لكن لا بد لنا الآن من أن نتساءل: إذا كان الغير يشكل المرآة التي تنعكس عليها حقيقة الذات، فهل من سبيل لتدرك الذات حقيقة هذا الغير؟
بقدر ما يعتبر مفهوم الإنسان بناء نظريا كليا ومجردا، بقدر ما يحيل على شروط خاصة تميز الوجود البشري عن وجود بقية الكائنات. فإذا كانت الغريزة هي نمط حياة هذه الأخيرة، فإن كينونة الإنسان لها أبعاد أخرى فوق-غريزية تتميز بالتعقيد والتعالي المستمر، إذ هو لا يوجد فقط وإنما يعي هذا الوجود، ومن ثم يوجد من أجل ذاته، وهو لا يرتبط بالأغيار من بني جنسه بوشائج بيولوجية فحسب (التناسل، الدفاع عن مجال الغذاء...)، وإنما تربطه بهم علاقات أكثر تعقيدا حتى يمكننا القول أن وجود الإنسان وجود علائقي. إذ الغير هو الكيان الإنساني الآخر، الموجود خارج الذات، الشبيه بها والمختلف عنها في الآن نفسه، وهو من ثمة الغريب المجهول بالنسبة لها، والقريب الشفاف أمام حدسها، وهو مصدر الاطمئنان والألفة و مصدر الحذر والخوف. هذه هي المفارقات التي تكثفها القولة الفلسفية التالية:"الغير هو الآخر، هو الأنا الذي ليس أنا"، مما يدفعنا إلى التساؤل:
كيف سيكون بإمكان الذات معرفة هذا الغير وإدراك حقيقته؟ هل يمكنها معرفته داخليا كذات أخرى مماثلة لها، من حيث الخواص الفكرية والعمق النفسي، أم أن معرفتها به لا تتأتى إلا على نحو خارجي موضوعي، على الشكل الذي تدرك به الأشياء؟
وما طبيعة العلاقة الممكنة بين الذات والغير؟ أهي علاقة صداقة وتعايش وتفهم متبادل، أم هي علاقة غرابة وصراع وإقصاء متبادل؟ وما السبيل لأن تكون هذه العلاقة علاقة تعايش وتكامل؟
وإلى أي حد استطاع صاحب القولة أن يحيط بكل أبعاد الوجود العلائقي للإنسان؟
ينفي منطوق القولة علاقة التماثل المطلق بين الذات والغير(ليس أنا)، فمع أن الغير ذات (الغير هو الأنا) يفترض فيها حمل نفس المقومات العقلية (الوعي، الشعور بالهوية) والنفسية (الحب، الكراهية، الألم، اللذة) والأخلاقية (الكرامة، استحقاق الاحترام، المسؤولية) التي تحملها ذاتي، فإنه يبقى ذاتا أخرى قائمة خارج ذاتي وباستقلال عنها، ومن ثم فهناك مسافة وجودية تفصله عني، مسافة تجعل عالمه الداخلي مجهولا بالنسبة لي، لأنه لا يوجد إلا في مجال تجربتي الحسية، وبالتالي فأنا لا ألقي عليه إلا نظرة خارجية موضوعية، مثل النظرة التي ألقيها على الأشياء. هذه النظرة التي تنفي عمقه الإنساني وتجعل منه مجرد شيء خاضع لملاحظتي، لا يمكن أن تؤسس أية علاقة تفهم بين-ذاتي، ولا يمكن أن تمد أي جسر للتعاطف بيننا. فأنا جحيم بالنسبة له لأني أشيئه بنظرتي. وهو جحيم بالنسبة لي لأنه غير قادر على النفاذ إلى ذاتيتي المنغلقة أمام إدراكه. فنحن جميعا نحس بالحرج والضيق والارتباك عندما ندرك أننا محط مراقبة الآخرين، لأننا نشعر أنهم يشكلون الأحكام عنا انطلاقا من كوننا موضوعات في مجال تجربتهم الحسية، كما هو الشأن بالنسبة لحشرة أو كرسي يقع تحت نظرهم.
تتقاطع أطروحة هذه القولة مع النتائج التي خلصت إليها فلسفة جون بول سارتر من خلال اشتغالها على تيمة "النظرة"، إذ أن "نظرتي إلى الآخر تحوله إلى موضوع وتنفيه، كما أن نظرة الآخر إلي تحولني إلى موضوع وتنفيني"، فكلانا يوجد في مجال التجربة الإدراكية الحسية للآخر، ولا يستطيع تجاوز الهوة الوجودية التي تنتصب بيننا، فانطلاقا من تلك التجربة نبني أحكامنا عن بعضنا البعض. ونعجز عن إدراك العمق الذاتي لوجود كلينا. ومن ثم فهذه النظرة التشييئية تقيد حريتنا، وتفرض علينا وساطة مستلبة بيننا وبين وعينا بذواتنا، لذلك يقول سارتر أن"الجحيم هم الآخرون". مقابل هذه النظرة التشاؤمية بخصوص معرفة الغير والعلاقة الممكنة معه، ومن خلال نقدها، بلور ميرلوبونتي أطروحة مفادها أن هذه النظرة التشييئية المموضعة لا تأخذ مكان التفهم الإنساني المتبادل إلا إذا انطوى كل من الذات والغير على ذاتيهما، وانعدمت سبل التواصل فيما بينهما، إذ اللغة هي المجال البين-ذاتي الذي يجعل الذوات أكثر شفافية أمام بعضها البعض، حيث تهدم تلك الجدران التي تسيج الآخر وتجعل منه عالما غريبا وغامضا. ومن ثم يصبح بمقدور الذات أن تتفهم الغير بل أن تتعاطف معه وتشاركه وجدانيا، وهو ما من شأنه أن يؤسس علاقة إيجابية بينهما، ملؤها الصداقة والقرابة. نفس الاتجاه سلكته المفكرة الفرنسية من أصل بلغاري، جليا كريستيفا، إلا أنها وسعت من مجال تأملاتها في العلاقة الإنية – الغيرية إلى المستوى الجمعي، من خلال نقدها لحدود مفهوم الهوية، إذ أن تمثل بادئ الرأي لهوية الذات باعتبارها وحدة متجانسة ومتطابقة مع ذاتها يدفعه إلى اعتبار الغير الخارجي عن الجماعة غريبا، أي عنصرا غامضا دخيلا ومصدرا لكل الشرور المحدقة بها، ومن ثم استحق أن يكون موضوعا للحقد والعداء. والحق أن الغرابة والتنوع والاختلاف تشكل مقوما صميميا للذات نفسها، فاللاشعور قوة نفسية غريبة عن الذات الواعية، والفرد المتمرد غريب عن القيم المتواضع عليها داخل الجماعة، كما أن كل ثقافة هي نتاج لتلاقي مجموعة من الروافد الحضارية الأخرى (علاقة الثقافة العربية مثلا بالثقافتين اليونانية والفارسية...). فإذا كان الغريب هكذا "يسكننا على نحو غريب" فلماذا لا نوفر على أنفسنا معاداة الغير الأجنبي ونؤسس معه علاقة تعايش وتسامح.
نستنتج أن كون الغير كيانا مختلفا عن ذاتنا يجعل علاقتنا به تتخذ صبغة إشكالية، تلتبس فيها القرابة بالغرابة، وتتراوح بين التعايش والصراع. غير أن معاداة الغير تجد جذورها أساسا في الأحكام المسبقة التي تكونها الذات عنه بعيدا عن أي أساس واقعي، وفي غياب أية محاولة للتفهم. إذ يمكن تفسير هذه المعاداة بإرجاعها إلى شروط نفسية يمكن أن تعيشها الذات، مثل اليأس والإحباط، تدفعا إلى طلب العزاء والتعويض في دفئ الانتماء إلى الجماعة، وتوهم امتلاك هذه الأخير لهوية نقية ومتجانسة، ومن ثم نسبة جميع مساوئ الذات وإحباطاتها إلى الغير.
مستويات دراسة النص | المهارات المستهدفة | المضمون | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لحظة الفهم | الإطار الإشكالي العام (الإشكالية) | يتأمل النص في الوضع البشري، من حيث الشروط الوجودية التي تحدده. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
المفهوم المركزي في النص | يتمحور النص حول مفهوم الشخص، باعتباره بناء نظري مكثف لدلالة الشرط الذاتي لوجود الإنسان، من حيث هو ذات واعية بوجودها وهويتها. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
التأسيس والطرح الإشكاليين | - إذا كان صاحب النص يقر بقدرة الشخص على الوعي بهويته الشخصية، أي بما هو ثابت ومطابق ومستمر فيه، خلال التغيرات التي تطرأ عليه في الزمان. فإننا نقف أمام تقابل مفاهيمي أساسي بين مفهوم الثبات الذي يحيل على الجوهر والماهية والقبلية ومفهوم التغير الذي يحيل على الصيرورة والدينامية والتجربة. - فهل يفترض وعينا بهويتنا الشخصية وجود ذات/أنا جوهرية (واقعية) ثابتة، تشكل أساس هذا الوعي، أم أن الهوية الشخصية مجرد تمثل مشتق من التجربة الذهنية والنفسية؟ وهل يمكن اعتبار هذا الشعور قبليا أم بعديا؟ وإلى أي حد استطاع الفيلسوف، صاحب النص، بناء أطروحة تستوف الإجابة عن هذا الإشكال بشكل مقنع؟ وما مكانة هذا التصور في تاريخ الفلسفة؟ | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لحظة التحليل | الأطروحة/ الاعتراض على الأطروحة النقيض | - الاعتراض على فرضية وجود أنا جوهرية . - بلورة أطروحة خاصة مفادها أن أساس الوعي بالهوية الشخصية، يتمثل من جهة أولى في دوام نفس المزاج أو الطبع، أي نفس السمة العامة التي تطبع ردود فعل الشخص تجاه مختلف المؤثرات. ويتمثل من جهة ثانية في ترابط الذكريات، إذ تشكل هذه الأخيرة سلسلة مترابطة الأطراف، تربط خبرات الشخص الماضية بحاضره. | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
المفاهيم | الأنا: لدى العقلانيين(ديكارت) جوهر روحي قائم بذاته ماهيته التفكير، وهي الدلالة التي يعترض عليها صاحب النص. الوعي: إدراك ذهني إنعكاسي يصاحب كل العمليات الفكرية والحسية. الهوية الشخصية: إدراك الشخص لتطابقه مع ذاته، ووحدته النفسية واستمراره في الزمان، فهي ملازمة لملكة الوعي. التخيل: فعالية من فعاليات الذهن تنتج صورا ذهنية مبهمة ناتجة عن الربط غير الخاضع لأية ضوابط منطقية بين مختلف الأفكار والإدراكات. المزاج/الطبع: السمة العامة التي تطبع حالاتنا النفسية وردود أفعالنا تجاه مختلف المثيرات بطابع خاص. الذاكرة: قدرة ذهنية على استحضار الخبرات الماضية في الحاضر، أي امتداد وعينا في الماضي وترابط ذكرياتنا في شكل سلسلة متصلة. | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| الحجاج | - حجج مستقرأة من الوقائع اليومية والطبية: + الإنسان في حالة نوم ليس له أنا أو أن له أنا غامض. و بالتالي فالأنا تمثل ذهني واع وليس جوهرا ثابتا وموجودا بشكل دائم. + ضربة على الرأس تشل الذاكرة وبالتالي فيضطرب تمثل الشخص لأناه. وبالتالي فالأنا إذن رهينة بملكة الذاكرة وليست جوهرا قائما بذاته. + الحالة المرضية لازدواجية الشخصية، التي تكون فيها الأنا جاهلة بالأنا الأخرى. وبالتالي فالشعور بالأنا يخضع للدينامية النفسية | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لحظة المناقشة | القيمة الداخلية للنص | يتميز النص ببناء محكم كما أن طابعه الجدلي، المتمثل في المقابلة الصريحة بين الأطروحة والأطروحة النقيض، يعطيه حيوية ونزاهة فكريتين. إلا أن الحجج التي ساقها لدعم اعتراضه على الأطروحة النقيض يمكن مع ذلك تبيان حدودها، فعلى الحجة الأولى، مثلا، يمكن أن نرد بأن حالة النوم لا تمنع من تصور وجود الأنا كجوهر روحي يتوقف الوعي نسبيا عن إدراكه بشكل واضح. فديكارت نفسه، في تأمله الثاني، يعترف بغياب الوعي الواضح أثناء النوم، رغم قوله بأن الأنا جوهر روحي | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
القيمة الخارجية للنص | تتمثل قيمة النص في محاولته تجاوز ذلك التناقض الحاد القائم بين التصور العقلاني الديكارتي الميتافيزيقي القائل بوجود أنا جوهرية قائمة بذاتها هي الحامل لوعينا بهويتنا، بحيث ندرك وجودها وندرك ماهيتها - التي هي التفكير- إدراكا بديهيا ومباشرا بمجرد أن نشرع في عملية التفكير(يقول ديكارت أنا أفكر، فأنا موجود)، وبين التصور التجريبي المنكر لوجود أي نواة ثابتة وواقعية في الشخص فهذا الأخير ليس إلا "حزمة من الإدراكات النفسية والحسية المتعاقبة، إذ لا تمدنا التجربة بأي انطباع يمكن أن يشهد على ذلك الوجود، فالأنا مجرد شعور أو فكرة أو تمثل ذهني يكونه الشخص عن نفسه انطلاقا من إدراكه الذهني لتجربته النفسية والحسية، بل هي عند هيوم مجرد اسم دال على تمثل الشخص لإدراكاته المتتالية، لذلك فالهوية بالنسبة له مجرد وهم. ومن ثمة يبدو تصور صاحب النص أكثر رزانة واستفادة في تأملاته من مكتسبات العلوم الإنسانية المعاصرة كما يظهر من خلال الموارد التي استقى منها حججه (الطب النفسي...). | |||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||||
لحظة التركيب | استنتاج تركيبي | نخلص في الأخير إلى أن شعور الشخص بهويته الشخصية، هو دينامية نفسية متغيرة رهينة بشروط نفسية(الطبع)، وذهنية(الذاكرة)، وفزيولوجية/جسدية(المرض/ والسواء)، وليس إدراكا لذات جوهرية قائمة بشكل قبلي. وإذا كانت مكتسبات التأملات الفلسفية والدراسات العلمية المعاصرة تجعل من الصعب الذهاب مع التصور الميتافيزيقي العقلاني، فإن الحس السليم يجعلنا نبتعد أيضا عن التصور التجريبي(خاصة لدى دفيد هيوم) الذي يجعل من الشخص كما من الإدراكات المتدفقة بدون رابط يوحدها.
|
هناك تعليقان (2):
هل تعريف المجزوءة مثلا مفهوم الوضع البشري لابد من صياغته في المقدمة ام هو فقط اختياري .
ارجو منكم الجواب .
هل تعريف المجزوءة مثلا مفهوم الوضع البشري لابد من صياغته في المقدمة ام هو فقط اختياري .
ارجو منكم الجواب .
إرسال تعليق